فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (33):

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر أنه معل لقوله ومكمل، ومبطل لقولهم مسفل، علل ذلك بما حاصله أنه شأن الملوك، وهو أنهم إذا برز لهم أمر شيء لم يرضوا أن يرده أحد فإن ذلك روح الملك الذي لا يجازي الطاعن فيه إلا بالهلك فقال: {هو} أي وحده {الذي أرسل رسوله} أي محمدًا صلى الله عليه وسلم {بالهدى} أي لبيان الشافي بالمعجزات القولية والفعلية {ودين الحق} أي الكامل في بيانه وثباته كمالًا ظاهرًا لكل عاقل؛ ثم زادهم جرأة على العدو بقوله معللًا لإرساله: {ليظهره} أي الرسول صلى الله عليه وسلم والدين- أدام الله ظهوره {على الدين كله} وساق ذلك كله مساق الجواب لمن كأنه قال: كيف نقاتلهم وهم في الكثرة والقوة على ما لا يخفي؟ فقال: لم لا تقاتلونهم وأنتم لا تعتمدون على أحد غير من كل شيء تحت قهره، وهم إنما يعتمدون على مخاليق مثلكم، كيف لا تجسرون عليهم وهم في قتالكم إنما يقاتلون ربهم الذي أنتم في طاعته؟ أم كيف لا تصادمونهم وهو الذي أمركم بقتالهم لينصركم ويظهر آياته؟ ولعل الختم بقوله: {ولو كره المشركون} أبلغ لأن الكفر قد لا يكون فيه عناد، والشرك مبناه على العناد باتخاذ الأنداد، أي لابد من نصركم خالف من خالف مجرد مخالفة أو ضم إلى ذلك العناد بالاستعانة بمن أراد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الأعداء أنهم يحاولون إبطال أمر محمد صلى الله عليه وسلم وبين تعالى أنه يأبى ذلك الإبطال وأنه يتم أمره، بين كيفية ذلك الإتمام فقال: {هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق}.
واعلم أن كمال حال الأنبياء صلوات الله عليهم لا تحصل إلا بمجموع أمور: أولها: كثرة الدلائل والمعجزات، وهو المراد من قوله: {أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} وثانيها: كون دينه مشتملًا على أمور يظهر لكل أحد كونها موصوفة بالصواب والصلاح ومطابقة الحكمة وموافقة المنفعة في الدنيا والآخرة، وهو المراد من قوله: {وَدِينِ الحق} وثالثها: صيرورة دينه مستعليًا على سائر الأديان غالبًا عليها غالبًا لأضدادها قاهرًا لمنكريها، وهو المراد من قوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ}.
واعلم أن ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجة، وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء، ومعلوم أنه تعالى بشر بذلك، ولا يجوز أن يبشر إلا بأمر مستقبل غير حاصل، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة.
فإن قيل: ظاهر قوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ} يقتضي كونه غالبًا لكل الأديان، وليس الأمر كذلك، فإن الإسلام لم يصر غالبًا لسائر الأديان في أرض الهند والصين والروم، وسائر أراضي الكفرة.
قلنا أجابوا عنه من وجوه:
الوجه الأول: أنه لا دين بخلاف الإسلام إلا وقد قهرهم المسلمون وظهروا عليهم في بعض المواضع، وإن لم يكن كذلك في جميع مواضعهم، فقهروا اليهود وأخرجوهم من بلاد العرب، وغلبوا النصارى على بلاد الشام وما والاها إلى ناحية الروم والغرب، وغلبوا المجوس على ملكهم، وغلبوا عباد الأصنام على كثير من بلادهم مما يلي الترك والهند، وكذلك سائر الأديان.
فثبت أن الذي أخبر الله عنه في هذه الآية قد وقع وحصل وكان ذلك إخبارًا عن الغيب فكان معجزًا.
الوجه الثاني: في الجواب أن نقول: روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: هذا وعد من الله بأنه تعالى يجعل الإسلام عاليًا على جميع الأديان.
وتمام هذا إنما يحصل عند خروج عيسى، وقال السدي: ذلك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام أو أدى الخراج.
الوجه الثالث: المراد: ليظهر الإسلام على الدين كله في جزيرة العرب، وقد حصل ذلك فإنه تعالى ما أبقى فيها أحدًا من الكفار.
الوجه الرابع: أن المراد من قوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ} أن يوقفه على جميع شرائع الدين ويطلعه عليها بالكلية حتى لا يخفى عليه منها شيء.
الوجه الخامس: أن المراد من قوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ} بالحجة والبيان إلا أن هذا ضعيف؛ لأن هذا وعد بأنه تعالى سيفعله والتقوية بالحجة والبيان كانت حاصلة من أول الأمر، ويمكن أن يجاب عنه بأن في مبدأ الأمر كثرت الشبهات بسبب ضعف المؤمنين واستيلاء الكفار، ومنع الكفار سائر الناس من التأمل في تلك الدلائل.
أما بعد قوة دولة الإسلام عجزت الكفار فضعفت الشبهات، فقوي ظهور دلائل الإسلام، فكان المراد من تلك البشارة هذه الزيادة. اهـ.

.قال السمرقندي:

{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} يعني: بالقرآن والتوحيد، {وَدِينِ الحق}؛ يعني: دين الإسلام؛ ويقال: دين الله تعالى، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ}؛ يعني: يظهره بالحجة على الدين كله؛ ويقال: بالقهر والغلبة والرعب في قلوب الكفار؛ وقال ابن عباس: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} يعني: بعد نزول عيسى عليه السلام لا يبقى أحد إلا دخل في دين الإسلام، {وَلَوْ كَرِهَ المشركون}. اهـ.

.قال الثعلبي:

{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم {بالهدى} قال ابن عباس: بالقرآن، وقيل: تبيان فرائضه على خلقه، {ودين الحق} وهو الإسلام.
{ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} أي يُعلي دينه ويظهر كلمته ويتم الحق الذي بعث به رسوله ولو كره الكافرون {لِيُظْهِرَهُ} ليعليه وينصره ويظفره {عَلَى الدين كُلِّهِ} على سائر الملل كلها {وَلَوْ كَرِهَ المشركون}.
واختلف العلماء بمعنى هذه الآية، فقال ابن عباس: الهاء عائدة على الرسول صلى الله عليه وسلم يعني ليعلمه شرائع الدين كلها فيظهره عليها حتى لايخفى عليه منها شيء، وقال الآخرون: الهاء راجعة إلى دين الحق.
قال أبو هريرة والضحاك: ذلك عند خروج عيسى عليه السلام إذا خرج اتبعه كل دين وتصير الملل كلها واحدة، فلا يبقى أهل دين إلا دخل في الإسلام أو أدى الجزية إلى المسلمين.
قال السدّي: وذلك عند خروج المهدي لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام أو أدّى الخراج.
وقال الكلبي: لايبقى دين إلا ظهر عليه الإسلام وسيكون ذلك، ولم يكن بعد، ولا تقوم الساعة حتى يكون ذلك.
قال المقداد بن الأسود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلاّ أدخله الله كلمة الإسلام إما بعز عزيز وإما بذل ذليل، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهله فيعزّوا، وإما يذلّهم فيدينون له».
عن الأسود أو سويد بن العلاء عن أبي سلمة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى».
قالت: قلت: يا رسول الله ما كنت أظن أن يكون ذلك بعد ما أنزل الله على رسوله.
{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق}. قال: يكون ذلك ماشاء الله عز وجل، ثم يبعث ريحًا فيقبض كل من كان في قلبه مثقال ذرة من خير، ثم يبقي من لا خير فيه ويرجع الناس إلى دين آبائهم.
وقال الحسين بن الفضل: معناه: ليظهره على الأديان كلها بالحجج الواضحة والبراهين اللامعة فيكون حجة هذا الدين أقوى، وقال بعضهم: قد فعل الله ذلك ونُجزت هذه العدة لقوله سبحانه: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3].
وقال بعضهم: هو أن يظهر الإسلام في كل موضع كان يجري على أهلها صَغَار في أي موضع كانوا، لايؤخذ منهم جزية كما يؤخذ من أهل الذمة.
وقيل: معناه: ليظهره على الاديان كلها التي في جزيرة العرب فيظهره على دينهم ويغلبهم في ذلك المكان.
وقيل: هو جريان حكمته عليهم والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم أرسله الله إلى خلقه بالهدى ودين الحق.
وفيها أربعة تأويلات:
أحدها: أن الهدى البيان، ودين الحق الإسلام، قاله الضحاك.
والثاني: أن الهدى الدليل، ودين الحق المدلول عليه.
والثالث: معناه بالهدى إلى دين الحق.
والرابع: أن معناهما واحد وإنما جمع بينهما تأكيدًا لتغاير اللفظين.
{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} فيه ستة تأويلات:
أحدها: يعني عند نزول عيسى عليه السلام فإنه لا يعبد الله تعالى إلاّ بالإٍسلام، قاله أبو هريرة.
والثاني: معناه أن يعلمه شرائع الدين كله ويطلعه عليه، قاله ابن عباس.
والثالث: ليظهر دلائله وحججه، وقد فعل الله تعالى ذلك، وهذا قول كثير من العلماء.
والرابع: ليظهره برغم المشركين من أهله.
والخامس: أنه وارد على سبب، وهو أنه كان لقريش رحلتان رحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن والعراق فلما أسلموا انقطعت عنهم الرحلتان للمباينة في الدين فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى عليه: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} يعني في بلاد الرحلتين وقد أظهره الله تعالى فيهما. والسادس: أن الظهور الاستعلاء، ودين الإسلام أعلى الأديان كلها وأكثرها أهلًا، قد نصره الله بالبر والفاجر والمسلم والكافر، فروى الربيع بن أنس عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهِ يُؤَيِّدُ بِأَقْوَامٍ مَا لَهُم فِي الأَخِرَةِ مِن خَلاَقٍ». اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق} الآية.
{رسوله} يراد به محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: {بالهدى} يعم القرآن وجميع الشرع، وقوله: {ودين الحق} إشارة إلى الإسلام والملة بجمعها وهي الحنيفية، وقوله: {ليظهره} قال أبو هريرة وأبو جعفر محمد بن علي وجابر بن عبدالله ما معناه: إن الضمير عائد على الدين وإظهاره عند نزول عيسى ابن مريم وكون الأديان كلها راجعة إلى دين الإسلام فذلك إظهاره.
قال القاضي أبو محمد: فكأن هذه الفرقة رأت الإظهار على أتم وجوهه أي حتى لا يبقى معه دين آخر، وقالت فرقة {ليظهره على الدين} أي ليجعله أعلاها وأظهرها وإن كان معه غيره كان دونه.
قال القاضي أبو محمد: فهذا لا يحتاج إلى نزول عيسى بل كان هذا في صدر الأمة وهو حتى الآن إن شاء الله وقالت فرقة: الضمير عائد على الرسول، ومعنى {ليظهره} ليطلعه ويعلمه الشرائع كلها والحلال والحرام.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل وإن كان صحيحًا جائزًا فالآخر أبرع منه وأليق بنظام الآية وأحرى مع كراهية المشركين، وخص {المشركون} هنا بالذكر لما كانت كراهية مختصة بظهور دين محمد صلى الله عليه وسلم فذكره العظم والأول ممن كره ذلك وصد فيه، وذكر الكافرون في الآية قبل لأنها كراهية إتمام نور الله في قديم الدهر وفي باقيه فعم الكفر من لدن خلق الدنيا إلى إنقراضها إذ قد وقعت الكراهية والإتمام مرارًا كثيرة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم {بالهدى}، وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه التوحيد.
والثاني: القرآن.
والثالث: تبيان الفرائض.
فأما دين الحق، فهو الإسلام.
وفي قوله: {ليظهرَه} قولان:
أحدهما: أن الهاء عائدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: ليعلّمه شرائع الدِّين كلَّها، فلا يخفى عليه منها شيء، قاله ابن عباس.
والثاني: أنها راجعة إلى الدين.
ثم في معنى الكلام قولان:
أحدهما: ليظهر هذا الدين على سائر الملل.
ومتى يكون ذلك؟ فيه قولان: أحدهما: عند نزول عيسى عليه السلام، فانه يتبعه أهل كل دين، وتصير المللُ واحدة، فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام أو أدَّوا الجزية، قاله أبو هريرة، والضحاك.
والثاني: أنه عند خروج المهدي، قاله السدي.
والقول الثاني: أن إظهار الدِّين إنما هو بالحجج الواضحة، وإن لم يدخل الناس فيه. اهـ.